فهرس المقال
الصفحة 2 من 2
وطن النِفوس البِكرة يا وادي الحشا البرَّاق
إذا ما الريح جرح للِّيح وصيفاً حَتحَت الأوراق
حطبنا نصيح أتبنِي الساق أمانة ياغيمة مُو بتَّاق
يا وطناً قريب للحي وسِرّك للبعيد لحّاق
حِلُو حلاوة ما بـ تِنضاق ومُرًا كُلو كلٌو إن ضاق
مِن كُناكَا ما خُنَّاكا مافينا الضلالي العاق
وياحاسِب سُكاتنا رُضا أمانة بِطُونَا ماها غُراق
صدورنا علي البِعادي زُقاق وضِهورنا إلي المنادي رُقاق
رضينا بلا قرِن نِنساق وحين نحـرِن جبل يا ساق
red]حطبنا نصيح إتبني الساق .. أمانة يا غمية مو بتاق ..
القصيدة عن الوطن .. واذا لم نفهم بعض مفردات القصيدة يكون المعنى فيه والقصد فيه قصور ..
حميد هنا يتحدث عن الوطن الذي يتعرض لهزات وكبوات في بعض المراحل .. ويشبه الوطن بشجرة او نبات يأتي اليه الصيف او الرياح لتأخذ لحاه فإذا اللحاء تزول بالرياح فهي غاية الضعف والهوان .. ( ويحتحت اوراقه ) ويصبح الساق عارياً من الاوراق ولكنه لا ينهار بل يبقى ثابتاً في مكانه .. ثم يأتي حميد ليستجدي الغيمة كرمزية ووسيلة للخروج من هذا الوضع .. ولكن بثبات ودون ابتذال او انكسار لأنه بدأ البيت بعبارة بقوة ( حطبنا نصيح .. ) ويرمز هنا الى قوة الاصل والمنشأ وصلابة الجوهر وهي ليست صلابة وجفاف ذلك الكائن الذي مات وفقد روحه وتصلبت وجفت شرايينه .. ويمضي شاعرنا ليثبت لهذه الغيمة أن هناك حياة في هذا الساق الصلب او بالاحرى فإن الدور المناط بهذه الغيمة هي احياء للروح الكامنة فيه ويأتي بعبارة ( إتبني الساق ) وهنا وهو يتحاور مع الغيمة التي سوف تهطل مطراً او ماءاً على هذا الساق ويقول لها ( إتبني ) وهي كلمة نوبية خالصة وتم تصريفها الى العربية بتنغيم وطريقة شاعرية لا تخلو من الجمال .. فكلمة ( تبيه مشدودة الباء ) بالنوبية معناها ( ألمس .. او تحسس .. او مرر يدك عليه ) وهي كلها عبارات تنم عن الرقة في الفعل .. وجاء هذا العبقري وتصرف في هذه الكلمة بشاعرية لا تضاهى فقد جاء بكسرة في آخر الكلمة وهي التنغيم الشايقي الجميل والذي لا يخلو من المسحة النوبية وكذلك اضاف سمة التأنيث مع أن منظومة التأنيث في النوبية لا تستخدم في الافعال (كما في الانجليزية ) والفعل الواحد يخاطب به كلا الجنسين بدون أي تحريف او اضافة .. ولكن روعة اهلنا الشايقية تكمن في انهم طوعوا جمال اللغة النوبية وأدخلوا فيها الادوات والانغام التي تهيأ الكلمة لتكون منسجمة في سياق الحديث وليس في الحديث المتداول فقط بل وفي سياق الكلام المنظوم المقفى ليكسب الشعر الخاصية الجهوية والاثنية التي تميزها وهي من الامور المهمة لفهم الشعر وغوص في رموزه ودلائله المكانية .. وايضاً تأتي الاستعانة بهذه الكلمات النوبية ليكون الخطاب المقصود ذو عمق حضاري وذو مدلول يرمز الى الانتماء المتأصل ..
بقلم الاستاذ
علي عبد الوهاب عثمان